الثقافة الشعبية و العالمة عند ابن خلدون
![]() |
ابن خلدون |
صنف علماء الاجتماع منذ العلامة ابن خلدون *اثناء تحليلهم للمجتمعات عبر التاريخ الى مجتمعات الريف ذوي الثقافة الشعبية البسيطة و مجتمعات المدن ذوي الثقافة العالمة المركبة. فماذا تعني الثقافة الشعبية و العالمة و ماهي مميزاتها و ايجابياتها و سلبياتها؟
* ابن خلدون(732_ 808 ه مؤسس علم الاجتماع و برع في الاقتصاد و العمران و التاريخ، ولد بتونس و الف مقدمته الشهيرة بالجزائر. مسلم و مالكي المذهب ابن خلدونwikepedia
مميزات الثقافة الشعبية
اصل المعرفة نفسه نابع من تجارب الانسان العملية، و من ثم ظهرت الثقافة الشعبية في الريف الذي هو موطنها الاصلي ثم تطورت منذ نهاية القرن السابع عشر الى الثقافة العالمة مع نمو المدن اثر النهظة الاوروبية و في باقي العالم .
تقوم الثقافة الشعبية على التجارب العملية المتراكمة و المتوارثة منذ القدم كالمفاهيم الاساسية في الميادين اليومية كالفلاحة و الحرف التقليدية و المهن البسيطة، و تظهر جليا في مواسم الأعياد و المناسبات حيث ان اهم ما يميزها قوة الانتشار عبر العلاقات الاجتماعية، حيث انها تنتقل شفهيا (وسيلتها المفضلة) من جيل الى جيل.
و يعتبر ابن خلدون اصل الخير في الريف و البادية لما شتملت عليه من خصال الشجاعة و العاطفة و الوفاء...
حيث يجدر التنبيه هنا ان اهل الريف و المدن الصغيرة يحبذون الاستقرار و لا يتقبلون التغيير بسهولة ، و ان كان هذا من الفضائل الحميدة كالوفاء و لكن هذا ليس دائما محمود فالتغيير بعذر واضح و هو التخلي عن العادات و الخرافات السيئة والرقي نحو الأفضل سواء في الانظمة التعليمية او الاقتصادية مطلوب. و هو ما نجده منتشر في المدن الكبرى التي تحين احوالها من حين لآخر.
عيوبها
رغم الفضائل وكرم اهل البدو الا ان عصبيتهم المفرطة للعشيرة و القبيلة تعد من ابرز سلبياتهم و رسول الله عليه السلام يقول لا فرق بين عربي و لا أعجمي الا بالتقوى. كما ان المستوى العلمي ضعيف للغاية.
مميزات الثقافة العالمة
خلافا للثقافة الشعبية فان العلاقات الاجتماعية في المدن ضعيفة و باردة، و تفضل الانتشار الكتابي اي عبر الكتب لكونها اكثر مصداقية و ثقة. كما ان للثقافة العالمة جمهورها الخاص و هم اهل العلم و مؤسساتها الاكاديمية كالمدارس و الجامعات. بخلاف الثقافة الشعبية التي تجدها في المنازل و الشوارع و المقاهي و في كل مكان تقريبا.
كما يصنف ابن خلدون و علماء الحضارة الاسلامية العلوم الى قسمين:
علوم نقلية أي معتمدة اساسا على ظاهر النصوص السماوية المتكاملة(محكم القرآن و صحيح السنة)، خاصة في عقيدة التوحيد و الأخبار و قصص التاريخ.
علوم عقلية أي التي تخضع للنظر و العقل كاستباط بعض احكام الشريعة (الفروع) كمدرسة ابي حنيفة، و كذلك العلوم الكونية التجريبية كعلم الفلك و الطب و غيرها.
و ما يميز الثقافة العالمة هي اعتمادها على الدليل النقلي او العقلي بخلاف الثقافة الشعبية المعتمدة على التقليد و الظن.
آراء ابن خلدون
يعتبر ابن خلدون كاريزما و مؤسس علم الاجتماع لازالت تدرس نظرياته الى الآن في كليات علم الاجتماع و التاريخ في الغرب و الشرق.
يعتبر ابن خلدون العلوم سر و اساس العمران و الحضارة و ضرب بذلك مثلا في عصر ازدهار بغداد و قرطبة نتيجة ازدهار العلوم فيها ، ثم انهيارها بعد تراجع العلوم .
و ينوه على ضرورة تبني نظام متعدد التخصصات كنظام للتعليم و ليس الاغراق في نفس الميدان، و هذا ما وافقه كبار علماء علم الاجتماع اليوم في اوروبا كالمانيا و غيرها. اي ان العالم الحقيقي هو الذي يحيط بعدة علوم كالتاريخ والفقه الديني و الانثروبولوجيا و غيرها. و هو لا ينكر البراعة في موهبة معينة و لكن بالتدرج.
كما يقسم و يصنف الاعمال الى :
اعمال ضرورية كالفلاحة و الحياكة... نجدها في المدن الصغيرة و الارياف.
و اعمال كمالية كالصناعة في المدن. و اعقب عليه بان بعض الصناعات حاليا صارت ضرورية و ليست كمالية.
و اعمال شريفة كنسخ و طباعة الكتب و الطب.
قيام الدولة و انهيارها عند ابن خلدون
يقسم ابن خلدون قيام الدول عبر التاريخ و انهيارها الى خمس مراحل:
تبدأ المرحلة الأولى بالاستيلاء على الحكم ثم المرحلة الثانية الاستبداد السياسي و هنا تبرز قوة الدولة كما حدث بداية الخلافة العباسية.
ثم يركن الحكام الى الترف و الراحة ثم مرحلة التبذير و الاسراف في تشييد البنايات الغير ضرورية كمدينة الزهراء بالأندلس التي تحولت الى اطلال فيما بعد. و هكذا تنهار الدولة في الأخير و اقول هذا مصداقا لسنن الله الكونية الثابتة في قيام الحضارات و انهيارها.
و يضيف ابن خلدون نقطة مهمة في سر قيام الدول القوية الذي يكمن في عاملين اساسين:
الأول قوة السلطان و الحكم.
الثاني دعم الدولة لبعض قيم الفضيلة و العدل كنشر العدل في الرعية و الإهتمام بالعلم و العلماء.
الخاتمة
رغم تطور المدن الكبرى في العالم العربي منذ حوالي نصف قرن الى ان وصلنا الى المدن الذكية، و لكن ما تزال الثقافة الشعبية هي السائدة في المجتمعات العربية الى الآن!.لم يكن للثقافة العالمة ان ترى النور لولا الثقافة الشعبية التي تمخضت منها فلا ينبغي لطلاب العلم و العلماء ان يتكبروا و يتنكروا لاصلهم الشعبي.
كما ينبغي لعامة الناس احترام اهل العلم الذين لا غنى للمجتمع عنهم كالاطباء و المدرسين و غيرهم.
اي ينبغي ان نجمع بين محاسن كل من الثقافة الشعبية و العالمة.
و صلى الله و سلم على محمد رسول الله.
إرسال تعليق
لديك تعليق ارسله هنا: