U3F1ZWV6ZTIyNzM3NTk1MDI1MDYwX0ZyZWUxNDM0NDg0MTA4MTEyNQ==

ما مستقبل العالم العربي و الاسلامي بعد العولمة؟

  مستقبل العالم العربي و الاسلامي 


تظاهرة ثقافية كبيرة ، بمعرض الكتاب الدولي بقصر المعارض بالجزائر العاصمة

منذ اكثر من ثلاثين سنة و بعد الحرب الحضارية الاولى على العراق ( يناير ١٩٩١)، يحاول الكثير من علماء المستقبليات* استشراف مستقبل العالم العربي و الاسلامي.

 عبر سيناريوهات ابرزها وقع بالفعل في ثورات الربيع العربي ٢٠١١( على ما حملته من مفاسد و مصالح باستثناء تونس و الجزائر و مصر نسبيا) في ظل نظام العولمة الغربي و انظمة عربية تخدم اجندات اجنبية على حساب مصالح شعوبها العلمية و الحضارية.

* من اشهر علماء المستقبليات العرب : المغربي المهدي المنجرة ( المتوفي عام ٢٠١٤ رحمه الله).هذا الكاريزما الذي توقع سيناريو  ثورات الربيع العربي قبل عقد من الزمن من وقوعها و التي لازالت آثارها الى الآن.التي للأسف حرف مسارها من طرف جهات خارجية و بتواطؤ بعض الجهالين من  الداخل.

و اذكر أيضا عالم الإجتماع الجزائري محمد الأمين بلغيث و من المفكرين الغربيين "توفلر" و صاحب الكتاب الشهير الصادر  عام 1993 "صراع الحضارات" انه المفكر "هانتكتون"، الذي اقتبس من المهدي المنجرة.

للمزيد حول النظام العالمي الجديد اضغط هنا

ملاحظة:

احاول ان يحترم هذا البحث اداب الحوار و الرأي الآخر ، و تجنب ذكر اسماء الاشخاص. اي انه بحث حضاري اجتماعي و ليس سياسي.

 بالنسبة للعراق فيرى الدكتور المهدي اثناء عرضه للحرب الحضارية الاولى ١٩٩١ ان الغرب و اسراءيل لا يسمحان باي دولة في الشرق الاوسط ان تصير قوة علمية و حضارية  منافسة و تهدد مصالحها . و اضيف تهور و تجبر النظام العراقي.

كما يوضح نفس المفكر الحرب الحضارية الثانية بعد احداث سبتمبر ٢٠٠١. مع ادانتنا لكل اشكال العنف، و لكن يرى الكثير من المفكرين انها اتخذت وسيلة للهجوم على الاسلام رغم الادعاءات الغربية ان حكوماته تفرق بين الاسلام و الاسلاميين*.حيث مع تطور علم النفس صارت الأنظمة تتحكم في الشعوب بالخوف و الهستيريا من الإسلاميين(الإسلاموفوبيا).

و لا اقصد الشعوب الغربية الرافضة للاعتداء على دول العالم الثالث بل بعض انظمة الغرب.

* مصطلح الاسلاميين محدث في عصرنا و يشوبه الكثير من الغموض.

* اثناء الحملة البريطانية على مصر دخل احد زعماء الحملة على البرلمان الإنجليزي حاملا في يده المصحف الشريف و هو يقول مادام هذا الكتاب يحترم في مصر لا مستقبل لنا هناك!.

الخلفيات التاريخية:

لا يمكن فهم الحاضر و استشراف المستقبل دون العودة و لو بايجاز الى التاريخ.

فمنذ سقوط اخر معاقل المسلمين بالاندلس "غرناطة" 02 ربيع الأول عام 897ه/ ١٤٩٢ م و المسلمون لم يرفعوا رؤوسهم الا في بعض الفترات المشرقة رغم المحاولات المتواصلة للإصلاح. و تزامن ذلك مع التنوير و بداية النهظة العقلانية في جنوب اوروبا.

 و بالضبط بايطاليا و اسبانيا لتاثرهما بمخلفات الحضارة الاسلامية بالاندلس. حيث أن شمس الله أو شمس الحضارة غابت عن الشرق لتسطع على الغرب كما عبرت عنها المستشرقة الألمانية "زيغريد هونكه".

للاطلاع على اسباب تخلف المسلمين راجع كتابي "تاريخ المسلمين بين المجد و الانحطاط" على الرابط:

منصة السفينة الذهبية

و كي لا نغرق في الخلفيات التاريخية اعود الى الراهن المعاصر، فالعالم منذ ثمانينات و تسعينات القرن الماضي الى بداية الألفية الثالثة كانت تسوده ايديولوجية العم سام المسيطرة على ثروات عالم الجنوب ،أما على  الصعيد الثقافي و الإعلامي فلازالت محاولات وسائل الاعلام الغربية (الامبريالية الثقافية كما سماها المفكر  المهدي المنجرة) تشوه صورة حضارة الجنوب على انها متخلفة و تابعة لها و تظليل الجماهير.

 و محاولة عدم التمييز بين الاسلام الوسطي و بعض ممارسات الجماعات الدينية المتعصبة . و مخاوف ظاهرة الاسلاموفوبيا، حيث تظهر بعض التقارير أن نسبة الإسلام في أورويا ستصل إلى 10 %  بحلول 2050! بحول الله.

سيناريوهات المستقبل عند المهدي المنجرة:

يستشرف هذا المفكر الكبير مستقبل العالم الاسلامي في كتبه منها "الاهانة" (الذي صدر عام ٢٠٠٤) مستقبل العرب و المسلمين الى ثلاث سيناريوهات:
الاول بقاء الوضع كما هو عليه و هذا مستبعد جدا. الثاني قيام انظمة الحكم العربية باصلاح جزءي و هذا تاخر كثيرا و لا يجدي نفعا.
اما السيناريو الثالث و هو الارجح و الاكثر احتمالا ، و هو التغيير الجذري و القاعدي و القطيعة الكلية مع عملاء التبعية و الاستعمار الثقافي و الاقتصادي، و هذا عبر ثورات شعبية قد تكون عنيفة احيانا، و قد صدق فهذا الذي وقع بالفعل مع ثورات الربيع العربي خريف ٢٠١١. مع تحفظي عليها.
و الله تعالى يقول :(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم) "النساء".
الحق الذي اثبتته تجارب التاريخ و الذي عليه الراسخون في العلم ان المنهج الصحيح للتغيير هو المنهج الحر الغير مرتبط باي جماعة سواء بمرجعيات دينية او سياسية او عرقية.و سابسط الامر على القارئ بالمثال (لا الحصر): فالعديد من كبار الفكر و العلماء المصلحون لا ينتمون لاي جماعة او حزب، كالامام الغزالي رحمه الله، و محمد عبده و مالك بن نبي. 
و من المعاصرين محمد النابلسي...اي اصلاح النفس و الاقربين اولا ثم باقي المجتمع و هذا في معظم المجالات و لا نحصرها في الدين فقط. و بالتدرج كما سار عليه اعظم المصلحين محمد عليه الصلاة و السلام بالتدرج من المرحلة المكية الى المدنية.

و نرى الان فعلا ما استشرفه الدكتور المهدي حول علامات افول حضارة العم سام بسبب استعلاءها و اختلالاتها،مع بروز اقطاب متعددة كالصين اقتصاديا. و ظهر ذلك جليا مع هشاشة المنظومة الصحية للغرب في تعاملها مع كوفيد ١٩ و التغير المناخي الذي اضحى يهدد الكثير من مناطق العالم ان لم تتخذ الدول الغنية اجراءات سريعة للحد من التلوث و هذا نتيجة لتكالب النظام الرأسمالي. بالإضافة إلى الفراغ الروحي و الآفات الإجتماعية التي عجز العقل الغربي عن ايجاد حلول ناجعة لها. 

و كمثال اقتصادي حسبي أن اذكر لجوء  الكثير من البنوك و المصارف في اوروبا إلى الصيرفة الإسلامية! بعد ازمة 2008.

و استشني الشعوب في الغرب و بعض الدول الاوروبية كالمانيا الملتزمة بقدر من الحياد و الموضوعية في احترام خصوصية الشعوب، و كذلك بعض الادارات الامريكية كالديمقراطيين (كادارة اوباما سابقا) التي حققت شيء من التوازن و احترام الثقافات الاخرى.

اما على الصعيد الاخلاقي و كي نكون منصفين فان الكثير من الاخلاق الفاضلة كالوفاء و احترام الوقت و العمل موجودة في المجتمعات الغربية بدل كونها في المجتمعات الاسلامية التي ابتعدت عنها للاسف.

* من الكنوز التي خلفها قامة علماء الاجتماع الجزائري  مالك بن نبي رحمه الله : القابلية للاستعمار كما وصف بها فئات  واسعة من جماهير الجزائريين في زمانه و قبله الغارقين في الجهل و الخرافات و الشركيات ، و كما ان الطبيعة تبغض الفراغ فان لم يكن للامة رسالة حضارية تخطط لها فسوف ياتي من يخطط في مكانها و هذا ما حدث اثناء الغزو الفرنسي. قال الله تعالى : ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم) " الرعد:١١".

عصر المعرفة و التكنولوجيا الرقمية

ان عهد اقتصاد المواد الخام و الاستهلاك فقط قد تجاوزه الزمن. اما العصر الحالي فيهيمن عليه من اخذ باسباب العلم و تحكم في وسائل الاتصالات الرقمية و الذكاء الاصطناعي. فالمعلومة و الثروات البشرية المثقفة و المواكبة للتقنية هي اهم رهان لكسب المستقبل و تصدر الحضارة.

فعلى الدول الإسلامية الإستثمار في ثرواتها البشرية الأغلى من النفط الذي اقصى حدوده 2040. أو على الأقل الإستفادة من كوادرها المقيمين بالخارج عن طريق تنظيم دورات تدريبية و محاضرات في أوطانهم الأصلية أثناء زياراتهم.

و لا شك أن الرقمنة هي السمة البارزة لهذا العصر حيث بدأت تظهر شبكات الأنترنت منذ نهاية تسعينيات القرن العشرين، ثم ظهرت وسائل التواصل الإجتماعي بحلول 2006، لتظهر على إثرها عام 2009 شبكة الجيل الرابع للهواتف الخلوية ثم الجيل الخامس الصينية، على ايجابياتها و سلبياتها خاصة ما يتعلق بخصوصية الأفراد. فعلى المستخدمين و كوادر الدول الإسلامية تطويع هذه الوسائل وفق محتوى أصالتنا و هويتنا.

 واقع العالم الإسلامي :مبشرات و لكن!

إن المركز الإجتماعي للمجددين و المصلحين (في معظم الميادين) اليوم هو في أدنى مستوياته،فالقليل منهم وصل إلى مناصب عليا في هرم الدولة، سواء في المؤسسات الإقتصادية او السياسية،نظرا للتهميش و إهمال العلماء و الكوادر  حيث  غادر الكثير منهم إلى المهجر للأسف (و هو خيار صعب إلا إذا قاموا بزيارة اوطانهم)،أما الباقي فيمارسون مهن حرة تسمح لهم بابراز كفائاتهم العلمية،أو يتولون مناصب بسيطة لا تناسب مستواهم كحالي الشخصي. 
أما من قدر الله له تولي مناصب عليا في الدولة فللأسف لم يحافظ على مبادئه الشرعية إلا نادرا أو بتعبير إيجابي ضعف تدينهم أمام فتن السلطة و مغريات الدنيا، وانا لست ضد تحمل المسؤوليات الكبرى و لكن يجب شكر الله على نعمه، و هذا ليس بالأمر السهل فهذا سليمان عليه السلام لما اتاه الله ملكا عظيما ألهته الجياد (الخيول) عن ذكر الله ثم تاب الله عليه.
 و حسب السنن فإن هذا الوضع لا يبشر بقرب عودة الخلافة الإسلامية كما يرجحه بعض الدعاة رغم مضي عقود على بداية الصحوة، و لكن ظهرت خصوصا في السنين الأخيرة إرهاصات و احداث عالمية كبرى تبشر بميلاد العالمية الثانية للإسلام إن شاء الله ، و العامل الآخر المبشر هو كون أكثر المجتمعات الإسلامية من الشباب المثقف،أسأل الله أن يصلح حالنا العقائدي و الإقتصادي .    

و لحسن الحظ فان معظم المجتمعات الاسلامية من الشباب  و الكثير منهم مواكب لتكنولوجيات العصر كوساءل التواصل الاجتماعي. و لكن يجب غرس روح الهوية الاصيلة في نفوسهم باعتدال.

و من المبشرات ازدياد في العقود الأخيرة اعتناق الإسلام في الدول الأوروبية و أمريكا و العالم،رغم محاولات تشويه صورته عبر الإعلام حيث بلغت نسبة المسلمين المعلن عنها في فرنسا  8% ، و قد يساوي عدد المسلمين أو يفوق المسيحيين بحلول 2050، و لكن العبرة ليست بالعدد. و تجدر الإشارة  في هذا السياق أن ما يميز عقلاء الغرب الذين اعتنقوا الإسلام هو اقتناعهم بالدليل العلمي و الشرعي،  بخلاف اسلام جماهير الدول العربية المعتمد على التقليد الوراثي فقط.

الخاتمة:

لا يوجد يأس في قاموس الاسلام و رغم الواقع المر للعالم الاسلامي فقد بدأت تظهر مبشرات و ارهاصات  لعودة مجد الاسلام ان شاء الله اذا اخذ المسلمون باسباب نصر الله و هي العلم  و العمل و الأخلاق . 

و لا ينبغي التعامل دائما مع حضارة الغرب من منطلق الصراع بل يمكن التعايش و الإستفادة من محاسنها العلمية و التقنية في حدود أصالتنا ، كما على الغرب أن يعي أن حضارته ليست  قدر إلى نهاية الدهر و ليست مثالية فليتقبل تعدد الحضارات الأخرى.

و قبل الختام يقول المفكر الكبير المهدي :

"بلا بحث علمي لا يوجد لا تطور اجتماعي و لا اقتصادي و لا ثقافي".

" لامخرج لدول العالم الثالث  الا بالتعاون و الاعتماد على النفس".

و قوله:  " انا من الذين يؤمنون ان افضل تعريف للتنمية هو عندما يتحول العلم إلى حضارة". أي إلى عمل حضاري".

 و يبقى المستقبل من الغيب الذي استاثر الله بعلمه.

و الله اعلم و السلام على اشرف المرسلين.

إذا اعجبك المقال إضغط على زر المتابعة 

صورة المتابعة





تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

لديك تعليق ارسله هنا:

الاسمبريد إلكترونيرسالة