U3F1ZWV6ZTIyNzM3NTk1MDI1MDYwX0ZyZWUxNDM0NDg0MTA4MTEyNQ==

سنن كونية ثابتة من تجارب عظماء التاريخ

سنن الحياة                             


كلنا يمر بتجارب أثناء مراحل حياتنا، من الطفولة فالمراهقة ثم الشباب فالكهولة. تجارب مرة و صعبة أحيانا و سعيدة أحيانا أخرى، و قد نتصرف أحيانا بأخطاء لضعف تجربتنا اثناء احتكاكنا بالمحيط المجتمعي ، إنها الصعاب التي تنتج شخصيتنا  في الأخير[1]  ، في مدرسة الحياة.

pixabay ادب


أهم مصادر و عوامل تكوين الشخصية:

إن العبر و الدروس يمكن ان نستخلصها  من مصدرين : المصدر النظري ، أي الكتب ووسائل التواصل التقليدية و الرقمية ، كالمحاضرات الشفوية و المقروءة...و هذا عبر الثقافة الشعبية أو الثقافة العالمة[2] (الأهم).

و لكن هناك مصدر أكثر تأثير هو تجارب الحياة المباشرة ، فليس الخبر كالمعاينة، فأثناء احتكاكنا العملي في مناحي الحياة و مع التقدم في السن تترسخ جيدا في ذاكرتنا سنن الحياة.

لا شك أن أصدق و أصح مصدر لاستخلاص سنن الحياة هو الكتاب و السنة الصحيحة المطهرة و هي ما وافق خلاصات الشخصية المتزنة و ما اتفق عليه العقلاء و العلماء .

أبرز سنن الحياة

و سأبدأ على بركة الله تقديم زبدة خلاصات تجارب حياتي إلى الآن باختصار ، و التي تتوافق مع المصادر المذكورة آنفا:

_ "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد:11)

العامل النفسي (الروحي) يعد أهم عامل للنجاح في الدارين، فهو الأساس الذي لا يمكن أن نبني بدونه أي عمل و أي حضارة. فما الذي أحبط أعمال  حضارة الغرب و هي غاية في الإتقان و العلم ؟! سوى أنها لم تبنى على عقيدة خالصة لله[1]. فلا نجاة و فوز إلا بعقيدة التوحيد و صدق إيمان القلب فيستلزم العمل الصالح.

و قد يسأل السائل: ما أجدى السبل لتزكية النفس و إصلاحها ؟ يجب أن نعلم أولا أن القلوب بيد الله وحده، و ليست بيدنا، لكن الله عز و جل أرشدنا إلى أعظم الأسباب لإصلاح عقيدتنا (التوحيد) و هي أولا:

 التدبر لآيات القرآن الحكيم بالتفهم لمعانيه و العمل به. ثم التفكر في آيات الله الكونية البديعة.

أسأل الله أن يصلح نفوسنا فتصلح أعمالنا في الدنيا و الآخرة. و السلام على رسول الله.



[1] : و هذا لا يفهم منه إهمال العمل ، بل لا بد من الاستفادة من علوم الغرب الكونية و العمل.

 _ مبدأ النسبية 

من أبرز تجارب حياتي تجربة اجتماعية خلاصتها : لا يوجد مخلوق كامل من جميع النواحي ، و لا إيجابي تماما و لا سلبي تماما  فالكمال لله وحده ، إذن العاقل لا يبالغ في مدح و محبة أي شخص كان، و لا يبالغ في ذمه  مهما كانت عيوبه خصوصا إذا كان مسلم.

 حتى رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى الصحابة رضي الله عنهم و المسلمين ان يبالغوا في محبته كما أطرت النصارى عيسى عليه السلام. هذا رسول الله ﷺ فكيف بمن دونه!.

إن هذا يعد من أبرز أسباب آفة الأديان و ظهور الطوائف الضالة المخالفة للسنة، أي تقديس الأشخاص. بالإضافة إلى التعصب للرأي و أسباب أخرى لا يسعنا شرحها هنا.

الخلاف من سنن الحياة و لكن ينبغي أن نقتدي بخلاف السلف الصالح الذي لم يؤدي إلى النزاع و التنافر . إذن خذ من محاسن غيرك و تجاوز عن مساوئه بأسلوب مهذب حضاري.

قال الله تعالى (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) "الزخرف :67".

سنة الإستيئاس

يقول الله تعالى: ( حتى إذا استيأس الرسل و ظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) "يوسف".
قد يخفى على الكثير الحكمة من طول زمن الإبتلاء و تأخر النصر حتى يقول الرسول عليه السلام متى نصر الله؟!
و أخيرا و قعت على الإجابة الشافية الكافية من طرف الشيخ محمد المبيض : الحكمة من وصول المبتلى إلى درجة الإستيئاس (و ليس اليأس المحرم) هو تعلق القلب بالله مباشرة و ليس بالثمرات العاجلة كالنصر و التمكين! و عند الوصول إلى هذه الدرجة يأتي نصر الله بحول الله.

_ التوازن العقلي و العاطفي[3]

كثيرا ما يتحدث الله عز و جل في كتابه العزيز عن سنة كونية لا يفهمها إلا أولوا الألباب،  و هي التوازن بين العلم و العمل.

_  برزت عبر التاريخ مدرستان في الفكر الإسلامي : مدرسة العقلانية  المعتمدة على  التأمل العقلي للنصوص و التأويل[4]. و لكن  جاوز بعض اتباعها حدود التأويل فزاغوا  كأحبار اليهود الذين لا يعملوا بعلمهم.

و مدرسة العاطفة: التي تعتمد على النقل و ظاهرية نصوص القرآن و السنة،[5]و هي أقرب إلى الحق من المدرسة الأولى لكن شابه بعض جهلتها رهبان النصارى قديما الذين يعملون بلا علم.

و الحق الذي عليه أهل السنة و الجماعة هو الجمع بين محاسن المدرستين، العلم و العمل: علم القلب (المدرسة العقلية) و عمل القلب أي خوف الله و رجاءه و محبته (المدرسة الروحية).مع ضرورة المعاملة الحسنة.

فإذا استقام القلب تبعه اللسان و سائر الأركان.

إذن حاول الجمع بين العلم و العمل حسب برنامج زمني معتدل.

_ مبدأ الوسطية:

من أهم سمات الإسلام الوسطية، قال الله تعالى: (و كذلك جعلناكم أمة وسطا) "البقرة". و هذا في جل ميادين الدين و الدنيا كما أجمع عليه علماء الإسلام السنة. في أسماء و صفات الله عز و جل وسطية بين التشبيه و التجرد ، بلا تعطيل، و في الأحكام بين تشدد اليهود و تهاون النصارى...

و كذلك في مراتب المسؤولية سواء على البلاد أو  أي  مؤسسة أو الأسرة ، فالمسؤول الناجح هو الذي يجمع بين الحزم و اللين حسب الحالات و الظروف كما كان ساسة الخلفاء الراشدون رضي  الله عنهم. أي لا تشدد و استبداد الرأي و لا تراخي و تميع (وسط).  و الجمع بين الأمانة و الكفاءة. قال تعالى في سورة يوسف: ( قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) "55".

 الخاتمة:(وصية إلى جسدي):

جسدي: لقد صاحبتني طوال هذه السنين الطويلة فكنت نعم الصاحب، و لا مفر من فراقك، و لكن لي لك وصية مودع، لا تشهد لي يوم لقاء الله عند عرصات القيامة إلا اني استعملتك في طاعة الله و البعد عن معصيته، ولك مني السلام.



[1]  : إن الأخطاء ليست دائما شيء سلبي، بل نتعلم منها الدروس و لكن ينبغي تفادي الأخطاء الكبيرة.

[2]  : الثقافة الشعبية هي مجموعة المعارف المتوارثة عمليا عبر الأجيال و هي غير مضبوطة بالتحقيق في صحة الخبر ، بينما الثقافة العالمة تستلزم منهج محدد و محقق ، و لها أهلها العلماء و مؤسساتها و أطرها.

[3]  : معذرة فقد يستلزم فهم هذه الخلاصة مستوى علمي معين.

[4]  : من روادها في العصر الحديث الفيلسوف ابن رشد ثم ابن خلدون وصولا إلى مالك بن نبي رحمه الله.

[5] : من روادها أبو حامد الغزالي...

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

لديك تعليق ارسله هنا:

الاسمبريد إلكترونيرسالة