سنن الحياة
أهم مصادر و عوامل تكوين الشخصية:
إن العبر و
الدروس يمكن ان نستخلصها من مصدرين :
المصدر النظري ، أي الكتب ووسائل التواصل التقليدية و الرقمية ، كالمحاضرات
الشفوية و المقروءة...و هذا عبر الثقافة الشعبية أو الثقافة العالمة[2] (الأهم).
و لكن هناك مصدر أكثر تأثير هو تجارب الحياة المباشرة ، فليس الخبر كالمعاينة، فأثناء احتكاكنا العملي في مناحي الحياة و مع التقدم في السن تترسخ جيدا في ذاكرتنا سنن الحياة.
لا شك أن أصدق و أصح مصدر لاستخلاص سنن الحياة هو الكتاب و السنة الصحيحة المطهرة و هي ما وافق خلاصات الشخصية المتزنة و ما اتفق عليه العقلاء و العلماء .
أبرز سنن الحياة
و سأبدأ على بركة الله تقديم زبدة خلاصات تجارب حياتي إلى الآن باختصار ، و التي تتوافق مع المصادر المذكورة آنفا:
_ "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد:11)
العامل النفسي (الروحي) يعد أهم عامل للنجاح في الدارين، فهو الأساس الذي لا يمكن أن نبني بدونه أي عمل و أي حضارة. فما الذي أحبط أعمال حضارة الغرب و هي غاية في الإتقان و العلم ؟! سوى أنها لم تبنى على عقيدة خالصة لله[1]. فلا نجاة و فوز إلا بعقيدة التوحيد و صدق إيمان القلب فيستلزم العمل الصالح.
و قد يسأل السائل: ما أجدى السبل لتزكية النفس و إصلاحها ؟ يجب أن نعلم أولا أن القلوب بيد الله وحده، و ليست بيدنا، لكن الله عز و جل أرشدنا إلى أعظم الأسباب لإصلاح عقيدتنا (التوحيد) و هي أولا:
التدبر لآيات القرآن الحكيم بالتفهم
لمعانيه و العمل به. ثم التفكر في آيات الله الكونية البديعة.
أسأل الله أن يصلح نفوسنا فتصلح أعمالنا في الدنيا و الآخرة. و السلام على
رسول الله.
_ مبدأ النسبية
من أبرز تجارب حياتي تجربة اجتماعية خلاصتها : لا يوجد مخلوق كامل من جميع النواحي ، و لا إيجابي تماما و لا سلبي تماما فالكمال لله وحده ، إذن العاقل لا يبالغ في مدح و محبة أي شخص كان، و لا يبالغ في ذمه مهما كانت عيوبه خصوصا إذا كان مسلم.
حتى رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى الصحابة
رضي الله عنهم و المسلمين ان يبالغوا في محبته كما أطرت النصارى عيسى عليه
السلام. هذا رسول الله ﷺ فكيف بمن دونه!.
إن هذا يعد من
أبرز أسباب آفة الأديان و ظهور الطوائف الضالة المخالفة للسنة، أي تقديس الأشخاص.
بالإضافة إلى التعصب للرأي و أسباب أخرى لا يسعنا شرحها هنا.
الخلاف من سنن
الحياة و لكن ينبغي أن نقتدي بخلاف السلف الصالح الذي لم يؤدي إلى النزاع و
التنافر . إذن خذ من محاسن غيرك و تجاوز عن مساوئه بأسلوب مهذب حضاري.
قال الله تعالى
(الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) "الزخرف :67".
سنة الإستيئاس
_ التوازن العقلي و العاطفي[3]
كثيرا ما يتحدث
الله عز و جل في كتابه العزيز عن سنة كونية لا يفهمها إلا أولوا الألباب، و هي التوازن بين العلم و العمل.
_ برزت عبر التاريخ مدرستان
في الفكر الإسلامي : مدرسة العقلانية
المعتمدة على التأمل العقلي للنصوص
و التأويل[4]. و لكن جاوز بعض اتباعها حدود التأويل فزاغوا كأحبار اليهود الذين لا يعملوا بعلمهم.
و مدرسة العاطفة: التي تعتمد على النقل و ظاهرية نصوص القرآن و السنة،[5]و هي أقرب إلى الحق من
المدرسة الأولى لكن شابه بعض جهلتها رهبان النصارى قديما الذين يعملون بلا علم.
و الحق الذي عليه أهل السنة و الجماعة هو الجمع بين محاسن المدرستين، العلم
و العمل: علم القلب (المدرسة العقلية) و عمل القلب أي خوف الله و رجاءه و محبته
(المدرسة الروحية).مع ضرورة المعاملة الحسنة.
فإذا استقام القلب تبعه اللسان و سائر الأركان.
إذن حاول الجمع بين العلم و العمل حسب برنامج زمني معتدل.
_ مبدأ الوسطية:
من أهم سمات الإسلام الوسطية، قال الله تعالى: (و كذلك جعلناكم أمة وسطا)
"البقرة". و هذا في جل ميادين الدين و الدنيا كما أجمع عليه علماء
الإسلام السنة. في أسماء و صفات الله عز و جل وسطية بين التشبيه و التجرد ، بلا
تعطيل، و في الأحكام بين تشدد اليهود و تهاون النصارى...
و كذلك في مراتب المسؤولية سواء على البلاد أو أي مؤسسة أو الأسرة ، فالمسؤول الناجح هو الذي يجمع بين الحزم و اللين حسب الحالات و الظروف كما كان ساسة الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم. أي لا تشدد و استبداد الرأي و لا تراخي و تميع (وسط). و الجمع بين الأمانة و الكفاءة. قال تعالى في سورة يوسف: ( قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) "55".
الخاتمة:(وصية إلى جسدي):
[1] : إن الأخطاء ليست دائما شيء سلبي، بل نتعلم منها الدروس و لكن ينبغي تفادي
الأخطاء الكبيرة.
[2] : الثقافة
الشعبية هي مجموعة المعارف المتوارثة عمليا عبر الأجيال و هي غير مضبوطة بالتحقيق في صحة
الخبر ، بينما الثقافة العالمة تستلزم منهج محدد و محقق ، و لها أهلها العلماء و
مؤسساتها و أطرها.
[3] : معذرة فقد يستلزم فهم هذه الخلاصة مستوى علمي معين.
[4] : من روادها في العصر الحديث الفيلسوف ابن رشد ثم
ابن خلدون وصولا إلى مالك بن نبي رحمه الله.
[5] : من روادها أبو
حامد الغزالي...
إرسال تعليق
لديك تعليق ارسله هنا: