بسم الله الرحمان الرحيم
إكسير الحياة الأبدية: بحثًا عن الخلود في الحياة الآخرة
إن النفس البشرية مفطور فيها حب البقاء و الحياة الأبدية ، و هذا يعم جميع البشر مهما كانت عقيدتهم .
و لقد اختلفت رؤية الحضارات الإنسانية عبر التاريخ حول هذه المسألة اختلافا كبيرا . فمنها من أثبتها ( أصحاب الديانات السماوية) ومنها من أنكرها (أصحاب النظريات العلمانية). فما هو الجواب الشافي الكافي حول مسألة خلود الإنسان بالأدلة؟
إن فناء حياة الإنسان في هذه الحياة الدنيا أمر مفروغ منه ، و لا يختلف فيه أحد من البشر ، و إنما حديثنا يدور حول حياة ثانية بعد موت الإنسان (الحياة الآخرة). هذا ما سنعالجه بالأدلة الشرعية و العلمية والحسية في هذا البحث إن شاء الله.
وأرجوا من القارئ أن لا يتسرع في إصدار رأيه حتى ينتهي من قراءة هذا المقال ، و هو ليس بدعة جديدة و لكنه إثبات لما اجتمع عليه عقلاء الحضارات الإنسانية و خاصة المسلمين بأسلوب عصري.
* إكسير : مصطلح يعني مشروب صيني يطيل العمر ، و هو ليس موضوع بحثي هنا.
عقيدة الحياة الآخرة في الحضارات القديمة:
إن معتقد عودة الحياة إلى الإنسان بعد موته قديم منذ نشأة البشر . فلقد ترك المصريون القدماء ممرات و فتحات من قبر الفرعون متصلة بأعلى الهرم متجهة نحو السماء ، خاصة الهرم الأكبر (خوفو) . فما هو المغزى من ذلك؟ إن هذا يدل على اعتقاد المصريين القدماء ان الفرعون بعد موته سينتقل عبر هذا الممر السماوي إلى السماء و إلى حياة ثانية . هذا دليل على وجود عقيدة غير ناضجة عن الحياة الآخرة في الحضارة المصرية و لكنهم يشبهونها بالحياة الدنيا.
الأدلة النقلية :( الشرعية)
إن هذه الأدلة جازمة صحيحة من القرآن الكريم لا شك فيها أبدا:
قال الله عز و جل :( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) "الدخان :56"
و قال أيضا : (أفما نحن بميتين 58 إلا موتتنا الأولى و ما نحن بمعذبين 59 إن هذا لهو الفوز العظيم 60 ) "الصافات"
و قال : (إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " 7" جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) "البينة : 7،8".
و هذه الأدلة مصدقة أيضا لما جاء في التوراة و الإنجيل (الكتب السماوية السابقة ) الأصلية الغير محرفة.
الأدلة العقلية :
هذه الأدلة تناسب الأسلوب العلمي المفهوم لدى عامة الغربيين ( الأوروبيين و أمثالهم) ، حيث أن هذا البحث موجه للمسلمين و لغير المسلمين.
إن هذا الكون البديع الفسيح بمجراته و نجومه ، و نظام الحياة المبهر على الأرض في البحار و الأنهار و المخلوقات ، هذا النظام الكوني الذي يسير منذ بدأ خلقه وفق قوانين كونية و فيزيائية و علمية دقيقة لا ينحرف عنها قيد أنملة ، أقول يستحيل عقلا أن ينشأ صدفة هكذا عشوائيا عبر آلاف او ملايين السنين.
و هذا لا يحتاج إلى تفلسف كبير ، خذ مثالا بسيطا : لو ان قصرا فاخرا في غاية الحسن و النظام ، هل يعقل انه اوجد نفسه او وجد عن طريق الصدفة؟‼.
هذا كلام لا معنى له. إذ اجتمع العقلاء و حتى الفلاسفة على أن أي حدث لا بد له من محدث ، لو وضعت قطع خشب لملايين السنين محال ان يصنعوا لك وحدهم منزلا.
و قد جاء في كتاب "أصل الإنسان..." لأميمة الخفاجي : إذا امكن للإنسان استنساخ جسم من جينات وراثية للموتى (مؤخرا، مع تحفظي على استنساخ البشر) ، فكيف يستحيل إعادة خلق الموتى على الله و هو خالق السماوات و الأرض .
إذن لا يمكن تفسير نشأة هذا الكون إلا بخلقه من طرف قوة عظيمة غير مرئية ، الله جل جلاله الذي كفانا عناء البحث و التفلسف و أرسل لنا منذ بدأ الخليقة رسله كشفوا لنا الأسرار الكبرى للكون و مصير الإنسان فما علينا سوى الإيمان به.
يقول العالم هارون يحي : ثم إن آثار بعض الكائنات كالحشرات و الحيوانات التي تعود لملايين السنين حسب أدلة المستحاثات التي عثر عليها لا تختلف إطلاقا عن الكائنات الحالية في عصرنا ، فلماذا لم تتطور عبر ملايين السنين؟. لقد بدأت تنهار نظرية التطور حتى في أوساط الطلبة و علماء الجامعات البريطانية و غيرها (نشوء حركة الخلقيين) خاصة منذ العشرين سنة الأخيرة . ( راجع مقالي : أصل الإنسان بين الدين و العلم ) على الرابط :
صورة ليعسوب العصر الحالي
صورة يعسوب يعود للعصر الجوراسي
توضح الصورة أعلاه تشابه اليعسوب في عصرنا مع يعسوب العصر الجوراسي قبل 150 مليون سنة ، أي أن هذا الكائن لم يحدث له أي تطور (لليعسوب جهاز رؤية معجز).
إذن بتسليمنا أن لهذا الكون خالق و هو الله ، يجب علينا ان نسلم و نؤمن بكلامه الذي أرسله إلينا .و الله قد أرسل إلينا بالفعل وحيه و كلامه عبر رسله و على خاتمهم محمد ﷺ القرآن العظيم الذي وصل إلينا بالتواتر و بلا ادنى ريب .
في هذا الكتاب (القرآن) اخبرنا الله في مواضع كثيرة انه سيبعث و سيحيي جميع من مر على هذه الأرض من البشر يوم القيامة ، ثم يبعثهم لحياة خالدة لا تفنى ، ولكن الناس فيها صنفين :
الصنف الذي آمن بالله ووحده و اتبع رسله و عمل بما استلزمه ذلك (المسلمون قبل و بعد بعثة محمد عليه السلام) على اختلاف درجاتهم حسب أعمالهم، مصيرهم كما جاء في الآية أعلاه إلى نعيم خالد دائم يعجز العقل عن وصف هذا النعيم الذي أعلى نعيم فيه هو رؤية الله جل جلاله و سماعه (في الجنة).
الصنف الذي لم يؤمن بالله بعد وصول الرسالة إليه خالد في العذاب ، هذا الصنف الذي ينكر البعث في الاخرة إما جاهل نشا في بيئة علمانية جافة ، و بعيدة عن الأجواء الروحية و الدينية ؛ و إما يعلم الحق و لكنه مكابر متجبر على آيات الله و على عباده و هو أخطر من الجاهل .و مصيره وخيم في الخسران و العذاب العظيم إن لم يتوب إلى الله و إلا فات الاوان.
الأدلة الحسية:
هل حدث و أن عاد شخص إلى الحياة بعد موته و رآه الناس؟
الجواب : في العصور القديمة نعم حدث هذا أكثر من مرة ، بشهادة القرآن الكريم و السنة .
حيث ان في سورة البقرة خمس حالات لإحياء الموتى في هذه الدنيا ، مثلا كالرجل (يقال انه عزير عليه السلام و هو من انبياء اليهود) الذي مر على قرية و هي خاوية على عروشها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ، قال عز وجل (او كالذي مر على قرية و هي خاوية على عروشها قال انى يحي الله هذه بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إلى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259).
و كذلك عيسى عليه السلام كان يبرء الأكمه و يحيي الموتى بإذن الله .
و من الأدلة الحسية الأخرى ما يشعر به أصحاب الفطرة السليمة من محبة الله و نور الإيمان الذي ينزله الله على قلب المؤمن خاصة أثناء عبادته و دعاءه لله عز و جل ‘ و هو منتشر كثيرا عند المتصوفة ( أقصد تصوف السلف الأوائل و ليس تصوف المتأخرين المنحرف ).
الخاتمة:و نختم خلاصة بحثنا بإثبات خلود الإنسان بالأدلة الشرعية و العقلية و الحسية في الاخرة أي بعد موته ثم بعثه بقدرة الله ، إنه على كل شيء قدير.
نسأل الله ان يحشرنا مع زمرة اولياءه الصالحين في جنة الخلد و النعيم.
المصادر :
القرآن الكريم .
شرح الأصول الثلاث الشيخ ابن عثيمين.
"أصل الإنسان و سقوط نظرية دارون "أميمة الخفاجي.
من مؤلفات هارون يحي.
صور المستحاثات من الأنترنت.
مع تحيات الناشر.
بارك الله فيك على هذا البحث و أتمنى أن تواصل على هذا المنوال
ردحذف