U3F1ZWV6ZTIyNzM3NTk1MDI1MDYwX0ZyZWUxNDM0NDg0MTA4MTEyNQ==

صراع الحضارات بين رؤية هانتكتون و نظرة الاسلام

آخر تحديث: 19 رمضان 1444.

صراع الحضارات
Conflict of civilisations

                                                          
صراع الحضارات

لقد عرف التاريخ حضارات كثيرة منذ آلاف السنين ، بعضها زالت و اندثرت و لم يبقى
 منها إلا ما أرخه المؤرخون في كتبهم عن احداثها (كالحضارة المصرية القديمة) ، إلا 
حضارتين او ثلاث مازالت باقية مظاهرها الى اليوم .

 أقصد الحضارة الإسلامية و
الحضارة اللاتينية أو الغربية في أوروبا و أمريكا الشمالية، و حضارة الصين و ما جاورها.
 فأي من هذه الحضارات الثلاث اعظم و أصلح؟ و هل يمكن يتخذ طابع التعايش السلمي و التكامل؟ و ما هي الحضارة التي ستقود مستقبل البشرية في ما بعد الحداثة ؟
هذا ما سأحاول الإجابة عنه إن شاء الله في هذه المدونة.
لقد عرضت في ما سبق من بحثي مراحل هامة من تاريخ المسلمين( تاريخ الأندلس...) و ما صاحبها من احداث هامة لا يزال أثرها إلى اليوم.  وأعالج الان بعض مظاهر الصراع التاريخي  منذ فجر الإسلام و الى قيام الساعة، و هذا  بين أبرز حضارات الإنسانية: حضارة الإسلام و الحضارة الغربية المعاصرة.

 هذا الموضوع الذي شغل عقول المفكرين بل  أثر حتى على عامة المجتمعات  .و هو لا يأخذ دائما طابع الصراع و النزاع بل في كثير من الفترات يتسم بالتعايش و التفاعل الايجابي ( حيث يخطأ المفكر "هانتغتون" عندما يرجع اسباب الصدام و العنف الى اصل قيم الحضارات بذاتها و يقصد الحضارة الإسلامية بل إن التطرف راجع الى مفاهيم بعض الأشخاص الجاهلين المنتمين الى الإسلام أو حتى المسيحية او غيرها . أما أصل قيم الحضارات فهو السلام و التعايش، و خير دليل على ذلك هو تسامح الخلافة الإسلامية مع الأقليات المسيحية و اليهودية المقيمة بدار الإسلام عبر التاريخ لا ما روجه معظم المستشرقين قديما من اتهام الاسلام و المسلمين بالعنف و التطرف و الآن تحول الإستشراق إلى الإسلاموفوبيا في الغرب.
 و نعرض كذلك أسباب النصر و التمكين.
لقد ألفت عدت مؤلفات حول هذا الموضوع من طرف مؤلفين مسلمين و غربيين من اشهرهم هانتغتون عام 1993 الذي أثار جدل واسع بين المثقفين الى اليوم بمؤلفه : THE CLASH OF CIVILISATIONSو  الفرنسي بروديل الذي قسم الحضارات البارزة تاريخيا  الحضارة الغربية أو الاتينية و حضارة العرب و المسلمين.و قبلهم المفكر المهدي المنجرة و هناك حضارة أخرى رغم بعدها جغرافيا و دينيا ولكنها فاعلة اليوم اقتصاديا و هي حضارة الصين و الهند و ما جاورها.

مفهوم الحضارة

و يسود خلاف بين المفكرين حول تعريف الحضارة هل تعد بحجم الانجازات العلمية و المادية (كما هي السمة البارزة لحضارة الغرب اليوم) أم هي مجموعة من القيم الفكرية و الدينية  المتراوثة عبر التاريخ؟ إذا كان الجواب هو حجم الانجازات العلمية و المادية فحسب فلماذا اندثرت أقوى الحضارات المادية عبر التاريخ كالحضارة الفرعونية بمصر و الحضارة الرومانية و الفارسية أمام فئة قليلة العدة و العدد من المسلمين الذين لا يمكن مقارنة عتادهم و عددهم امام الروم و الفرس ، الحق أن العلم و الامكانيات المادية سلاح ذو حدين ؛ حسب غايات و اهداف حامليه فإما أن يسهم في إسعاد البشرية على نور من الهدى السماوي الذي أرسل به الله رسله عليهم و على خاتمهم  محمد عليه  الصلاة و السلام ،و إما أن يكون سبب لشقاء البشرية كما يحدث منذ القديم لتحقيق اغراض شخصية مادية عبر البطر و احتلال اراضي و ثروات الغير. قال الله  تعالى (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم و حاق بهم ما كانوا به يستهزؤن) "غافر :83" .
و بالمقابل فإن إهمال الأسباب العلمية و المادية يكون أيضا من أسباب السقوط و التخلف كما حدث مع اوروبا المسيحية في القرون الوسطى الغارقة في الجمود الديني ، و كذلك في فترة ضعف الدولة العثمانية (الرجل المريض) التي ذكرنا أسباب  هذا التخلف في موضع سابق (الكنز المفقود الأندلس).
إذا ما نستخلصه من تجارب التاريخ يقربنا من تعريف الحضارة الشامل و هو مجموعة من القيم الفكرية الدينية و الاجتماعية بالأساس مضاف إليها المنجزات المادية المبنية على العلم و العمل و الاخلاقية. و هي لا تزل بزوال الرجال و لكن التاريخ انصف الكثير من العظماء الذين أسسوا هذه القيم الحضارية و تركوها مستمرة في اقوامهم بعدهم، و اعظمهم على الاطلاق محمد ﷺ باني الحضارة الاسلامية بفضل الله ، بل هادي البشرية جمعاء عربهم و عجمهم إلى سعادة الدنيا و الاخرة.

 ثم من سار على سنته إلى يوم الدين.
قبل أن نلج بحثنا لابأس أن اعرض آخر احصائيات سنة 2016 قام بها معهد "بيو"الأمريكي ان نسبة المسلمين بأوروربا هي حوالي 4.9% من مجموع السكان ، تتقدمها البوسنة و الهرسك و ألبانيا (50%) ثم روسيا ، ثم فرنسا 8.8% و المملكة المتحدة ثم إيطاليا ،وأخيرا اسبانيا 2.6 % و إيرلندا.أما في أمريكا فنسبة المسلمين عام 2015 هو 1% و سيتضاعف عددهم عام 2050 .أي أن الاسلام هو الدين الثاني في العالم.
(هذه الاحصائيات احتمالية و ممكن أن تكون نسبة المسلمين في الدول الغربية أكثر من المعلن عنها).


نبذة عن أبرز مميزات الحضارة الاسلامية و الغربية و انجازاتهما الحضارية

 أ _ الحضارة الاسلامية:

لقد بلغت دولة الاسلام أوج قوتها أثناء قرنها الأول (من 1 ه الى 100 ه_730 م ) حيث وصلت مساحتها من بلاد السند شرقا إلى الأندلس غربا ، و كذلك بعد فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح كما بشر بها رسول الله ﷺ ، و هذا سنة 857 ه ثم في عهد سليم الأول الذي ضم مصر و الشام، لتصل حدود الدولة العثمانية إلى أسوار فيينا عاصمة النمسا في عهد سليمان القانوني. و ما عدا هاتين الفترتين تأرجحت الحضارة الاسلامية بين القوة و الضعف لتصل إلى ما نحن عليه اليوم من انحصار حضاري إلا في بعض الدول و بعض فئات النخبة من المجتمعات الاسلامية.

عناصر القوة :

و تكمن عناصر قوة الحضارة الاسلامية في :
_علاقتها بالله و عقيدة التوحيد الصافية التي جاءنا بها محمد عليه السلام التي هذبت النفس البشرية روحيا و خلصتها من الخرافات  و العبودية لغير الله .
_اجتماعيا ؛ بتكوين مجتمع  تربطه روابط متينة يسودها الاعتدال بين الافراط و التفريط و منظمة أسريا و مجتمعيا بتشريع سماوي متكامل.
_ سياسيا : بإلغاء حكم التجبر و الفرعونية و الاستبداد الفردي و استبداله بنظام الشورى و العدل.
_ اقتصاديا : ترك الاسلام حرية الابداع و الاقتصاد و الاكتشاف في العلوم الكونية على عكس نظام الكنيسة الرهباني الضيق الذي عرقل المسيرة الفكرية للانسان.
و إنما هذب الاسلام الثراء الفاحش بالزكاة و حرم الربا و بعض المخالفات التي جاوزت حدودها بضررها البالغ على الاقتصاد و المجتمع.

عناصر الضعف :

ارجوا الانتباه ان عناصر الضعف منسوبة إلى بعض ممارسات المسلمين الخاطئة و لا ننسبها إلى الاسلام المنزه أبدا.
_ من اهم عناصر ضعف المسلمين و خاصة منذ القرن الرابع الهجري ، و اختلافهم المذهبي و الطائفي (الذي شرحناه سابقا)
_ ركودهم العلمي و العملي مع ظهور التصوف خاصة في اواخر مراحل ضعف الدولة العثمانية ، و اتساع الهوة العلمية بينهم و بين الغرب.
_ تعرض الدولة الاسلامية إلى المخططات الخارجية لزعزعة استقرارها خاصة من طرف المنظمات اليهودية الماسونية ، و الحملات النصرانية.

ب_ الحضارة الغربية :

عناصر القوة :

_ انفتاح اوروبا على العلوم التجريبية الكونية ، بعد تخلصها من جمود و ركود الكنيسة بعد الثورة الصناعية الحديثة.
_سيطرتها على معظم دواليب الاقتصاد و التجارة العالمية عبر منظماتها  و بنوكها الدولية ، و تحكمها في الكثير من الاتجاهات السياسية و العسكرية العالمية بتفوقها التكنولوجي  و المادي.

عناصر الضعف :

_ الفراغ الروحي الذي تعاني منه فئات واسعة من المجتمعات الغربية نتيجة إلغاءها للدين السماوي او انحصاره في تعاليم ضعيفة من بقايا النصرانية.
_ الفساد الأخلاقي و استبداد و احتكار أصحاب الأموال  و الشركات الرأسمالية الكبرى على فئات المجتمع الأخرى .
_ تأثيرها البليغ على البيئة من جراء التلوث .و لم يستيقظ الغرب لذلك  إلا مؤخرا .
تجدر الإشارة هنا أن أقرب قوم إلى المسلمين من بين جميع أمم الأرض هم النصارى بشهادة القرآن الكريم ؛ قال الله عز و جل ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود و الذين أشركوا و لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين و رهبان و هم لا يستكبرون) "المائدة :82" أي  ان من النصارى من يذعن و يسلم للحق بسهولة لعاطفتهم الحية ، كما نزلت هذه الآية في قوم من الحبشة (نصارى) قدموا إلى رسول الله عليه السلام و أسلموا.
شهد القرن الواحد و العشرون  عكس القرن العشرين تحول  من الالحاد الى الايمان حيث صار  90 % من العلماء يؤمنون بوجود الله رغم ان اكثرهم لم يسلم صراحة و لم يتبع محمد عليه السلام ( آمنوا علميا فقط). و 10 % غير مؤمنين. اما الفلاسفة و الأدباء 65 % يعلمون بوجود الله.
كما صدر كتاب احدث ضجة كبيرة للكاتب الفرنسي ميشيل جيغو بعنوان : الله ، العلم، البراهين.
المصدر : صحيفة لوفيغارو.


الدين بين العاطفة و العقل

إن من يلاحظ بتبصر حال الشعوب الإسلامية اليوم يجد ان العاطفة (الدينية أو القومية) هي الصفة البارزة التي تحركها ، و يتجلى ذلك في المسيرات المؤيدة للقضية الفلسطينية كمثال حي ،و هذا لأكثر من نصف قرن . و كذلك للمسيرات المطالبة بتغيير و إصلاح حكامها . و لكن هل وصلت هذه العواطف و هذه المسيرات إلى المبتغى ؟
إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي مازج بين الروح و العقل في وسطية و اعتدال فهذب العاطفةبالعقل و ألجم غرور العقل بالإيمان حيث أن معظم آيات العقيدة مصدرها النقل و ليس العقل أما الأحكام فترك مجال للعقل لاستنباطها. 
يوضح عالم الإجتماع الكبير مالك بن نبي رحمه الله : ان مهد الحضارة يبدأ بالعاطفة و التجرد من قيود الشهوات الدنيئة ، ثم تصل إلى قمتها و هي مرحل العقلانية و العلم ثم يبدأ أفولها عندما تغتر بعلمها و قوتها و تعود لشهواتها البهيمية لتنهار. 
أقول هذا صحيح و لكن ليس العقلانية هي سبب تراجعها بل غرورها العلمي و ركون زعمائها إلى مظاهر الترف و الظلم.
لمزيد من التفصيل راجع "واقع الأمة الاسلامية المعاصر

خريطة حضارات العالم
خريطة حضارات العالم

الخاتمة:

يرى غارودي ان الإسلام هو الأصلح لإخراج البشرية اليوم من ورطتها عبر جمعه بين الايمان و العلم ، و عبر إصلاحاته الأخلاقية و الاجتماعية و الإقتصادية...
و لا أتعصب للحضارة الإسلامية لكوني مسلم ، و إنما الحقائق العلمية و المبشرات الإسلامية الصحيحة تجعلنا على يقين ان مستقبل الإنسانية هو للحضارة الأصلح التي تملك عناصر استمرارها و هي حضارة الإسلام ، في ظل التعايش و التبادل المنفعي مع الحضارات الأخرى خاصة حضارة الغرب.
هذا و إن أصبت فالحمد لله و إن أخطئت فسأسعد بمساهمات و تصحيحات غيري بالأدلة السليمة.
المصادر:
القرآن الكريم
السنة الصحيحة.
من محاضرات الدكتور طارق السويدان.
من مؤلفات غارودي.
لماذا تأخر المسلمون و لماذا تقدم غيرهم؟ شكيب أرسلان.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

لديك تعليق ارسله هنا:

الاسمبريد إلكترونيرسالة